تفسير آية (وبشر الصابرين) في

تفسير آية (وبشر الصابرين) في
(اخر تعديل 2023-06-22 12:06:37 )


يجدر بالذكر بداية إلى أنّ تأويل المنامات يبقى من الأمور الظنية التي لا يُبنى عليها حكم في الواقع، ورغم ذلك فإنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهن السامع أو القارئ بخصوص هذه الرؤيا هو أنّها تبشّر بالخير، وتُطمئن القلب وتؤنسه، وتشرح الصدر، خاصة أنها آية من القرآن، ولعلّها خير لصاحبها، ولعلّ دلالاتها تتحقّق بأمر الله ومشيئته.

وقد يكون لهذه الرؤيا أثرٌ كبيرٌ في حياة صاحبها وغيره ممّن يعول وممن حوله من الناس، ولعلها خير يصيبهم -بإذن الله تعالى-، ومن أهم دلالاتها ما يأتي:

  • قد تدل قراءة هذه الآية الكريمة في المنام على البشارة من الله -تعالى- لكل من يتحلّى بالصبر، وهي صفة الأنبياء والمرسلين والصدّيقين والصالحين، فالصّابرون دائماً بعون الله -تعالى- هم على خير وصلاح في القول والعمل والرضا.
  • قد تدل الرؤيا على أن البشارة تأتي بعد الصبر لصاحب الرؤيا، وكذلك التمكين في الأرض يأتي بعد الصبر؛ كما كان تمكين سيدنا يوسف -عليه السلام- بعد الصبر والشدة، وكذلك يكون الفرح بعد الحزن والتوكل على الله -تعالى-، استئناساً بقوله -تعالى-: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ).
  • قد تحثّ الرؤيا صاحبها على الصبر عند الصدمة الأولى، استناداً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى )، فمع كون الصبر واجباً من واجبات المسلم القوي، إلا أنه أيضاً يعدّ من أفضل العبادات والأعمال وأجلها.
  • قد تشير الرؤيا إلى الانتباه لوجود الارتباط الكبير بين البشارة والصبر؛ لأن الأولى تستند على الثانية في قوله -تعالى-: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )، فكم من مشكلةٍ حُلّت بعد الصبر والتفكير العقلاني وبالطرق السلمية والمباحة، وكم من إنسان تسرّع بالحل فندم وظلم الآخرين.
  • قد تبشّر الرؤيا صاحبها بأن الله سيجعل له من أمره فرجاً ومخرجاً، فلا يقنط ولا ييأس من روح الله ورحمته أبداً مهما طال الزمن؛ لأن الله مع الصابرين.

إن رؤية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في المنام وهو يقول هذه الآية الكريمة لصاحب الرؤيا الصالح من دواعي الفرح والسرور والفرج القريب -بإذن الله تعالى-، ولها دلالات مهمة محتملة ومعانٍ مرضية ومبشّرة بالخير العميم والبركة والصلاح، ومن أهمّها ما يأتي:

  • قد توحي الآية الكريمة بأن نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- يبشّر بالخير والرحمة العظيمة والإحسان الجزيل لمن صبر عند وقوع المصيبة واحتسب الأجر والثواب على الله -تعالى-، ولمن إن أصابه ابتلاء بالصحة أو المال أو الأولاد أو غير ذلك، فسلّم أمره إلى الله -تعالى- ورضي بما قدّره عليه، وذلك قد يدل أيضا على الفرج والعافية وسعة العيش.
  • قد تدل الرؤيا على أهمية التفاؤل والأمل في فضل الله -تعالى- واستجابته لدعاء الرائي بعد البلاء، فيكون الفرج الكبير والصلاح في كل أمور حياته القادمة، وكذلك التيسير والهداية والتوفيق -بعونه تعالى-.
  • قد تحثّ الرؤيا صاحبها على ضرورة حسن الظن بخالقه؛ فالله -سبحانه وتعالى- عند حسن ظن العبد به، فلا يعترض على حكمه ويصبر الصبر الجميل.
  • قد تدل الرؤيا أيضا على أن جزاء البر واحتساب الأجر والثواب سيأتي بعده العوض الكبير، أما جزاء من جزع وسخط فهو فوات الأجر والثواب، والخسارة في الدنيا والآخرة.

إن هذه الرؤيا لمن توفي له عزيز كالابن أو الأب أو الأم لشأن عظيم، وإن فيها التسرية عن نفسه، وفيها الدلالة الخيرة والداعمة له في مصيبته، ومن أهم دلالاتها ما يأتي:

  • إن سماع هذه الآية الكريمة في المنام أو قراءتها أمام الرائي أو كتابتها قد تدل على صلاحه وقوة دينه وإيمانه، وأنه على خير -إن شاء الله تعالى-.
  • قد تحثّ الرؤيا صاحبها على التحلّي بالصبر والثبات عند فقد عزيز له بالموت، وهو مصيبة كبيرة له، ولكن الصابر هو الفائز بالبشارة العظيمة ورضا الله -تعالى-، قال الله -سبحانه-: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )، وتعني الآية الكريمة أن العبد مملوك لله، وتدبير أموره تحت أمره وتصريفه، فليس للعبد من نفسه وماله شيء، فلا يعترض على قضاء الله، فحكم الله -تعالى- عدل مطلق، وهو أرحم من العبد بنفسه.
  • قد تدل الرؤيا على أنّ الصبر لا يتنافى مع ما يكون من الحزن عند حصول المصيبة، فقد ورد في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حزن وبكى عند موت ابنه إبراهيم وقال: ( إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ )، ولكنّ الذي يتنافى مع الصبر هو السّخط والاعتراض على حكم الله.