فكر هشام جعيط

فكر هشام جعيط
(اخر تعديل 2023-07-01 05:03:35 )

يتميّز منهج هشام جعيط بتجاوز الرؤى التقليدية، خاصة فيما يتعلق بالدراسات التاريخية والإسلامية، فهو يعمد إلى تمزيق الذات نتيجة التداخل ما بين التاريخ والأسطورة وبين علاقة النص بعناصر خارجية أو داخلية، فهو يرى أنه النظر في النصوص القرآنية بشكل خاص، يكون منفصلًا عن أي سياق آخر (القرآن يفسر بعيدًا عن التاريخ والسيرة)، حيث يظهر ذلك بشكل جلي في فكره الإسلامي؛ إذ إنه يفصل القرآن عن السنة.


يقوم المنهج التفكيري لدى جعيط على التداخل القائم بين الخلفيات ووجهات النظر المتعددة، فهو لا يسلم بما يقدم له وإنما يبحث ويتمحص، ويجري المقارنات التي تظهر الخلافات بدرجة أولى، وهو في هذا المجال يقدم التساؤلات في البديهي المسلم به، فهو يتبنى مبدأ يجب التفكير فيما نعتقد أننا نعرفه بداهة، وذلك من خلال طرح التفصيلات المهمة ومن ثم طرح أهمية الأسئلة ومن ثم الدراسات المغايرة لما يعلم أنه بديهي.


يرى جعيط أنّ دراسة البحث الناقد أو المقارن لما هو بدهيّ أساس في التخلص من الالتباس الحاصل بالمفاهيم التاريخية والدينية، فهو يوجّه القارئ بكل ما يطرح من فكر إلى مبدأ "التفكير في المفهوم"، "والتفكير في الأصل الأول"، بالاعتماد على العلم كمصدر أول للمعرفة فهو متشبع بالمناهج الحديثة في دراسة التاريخ العربي والإسلامي، واعتمد على المصادر الأوروبية خاصة الكتب التي تتطرق للحدث عن التاريخ الإسلامي، وهو يوجه القارئ لينهل العلم من أعلام الثقافة المعاصرة والحديثة.


يقدّم جعيط قراءة علمية عقلية بعيدة عن العاطفة؛ إذ يعتمد فيها المنهج التاريخي المقارن للأديان والانثروبولوجيا والثقافة التاريخية والفلسفية، ويحاول بما لديه من تفكير وتحليل إعادة قراءة التاريخ وخاصة الإسلامي، بناء على إعمال العقل بالاعتماد على مصدر واحد وهو القرآن الكريم مع تقليل من أهمية الكتب التي كتبت في الفترة الزمنية بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إنه يراها كتبت نقلًا عن مصادر شفوية وبالتالي لا يمكن التعويل عليها فكرًا وتحليلًا.


يقدم جعيط من خلال ناتج عمله الفكري والتحليلي قراءة جديدة للسيرة النبوية؛ إذ يرى أن اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- مترجم من كلمة "البراكليتس"، وهي الكلمة التي تطلق على الرجل عظيم الشأن، وأنّ الرسول تم تهجيره من مكة بالقوة، ويرى أن البعثة لم تكن في غار حراء، بل كانت في الأفق المبين بالاعتماد على القرآن الكريم، وخاصة سورتي النجم والكوثر، فيقدم الحقائق على أساس النقد وبيان ما لديه من تحليل بالاعتماد على القرآن.


وفيما يتعلق بموضوع الوحي، قدم فكره الجريء في المحظور المقدس (باعتبار الوحي من المسائل التي لا تناقش من باب التسليم بها)؛ إذ حاول تجريد ظاهرة الوحي من مظاهر الأسطورة بحيادية وتجرد، فقال إنّ الوحي كانت رؤيا، مثل قوله: "وتكون رؤية النبي صادقة لأن الله وراءها فهو وحي بالصورة والمشهد"، فهو يرى أن الرؤيا وحي في المنام، ويعتقد في أن الوحي غير منحصر بالمنام لدى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو لحظات تجلي بين الرسول والخالق سبحانه وتعالى بوساطة جبريل.


يرى جعيط أن القرآن نتيجة الوحي، ويمكن للمرء أن يدرك ما فيه من معانٍ وقيم عبر الإحساس والمشاعر والعقل فهو يخاطب العقل والقلب، ويقول جيعط في القرآن: "ومفهوم القرآن ذاته أكثر أهمية، ويصعب تفسيره إلا أنني ألفت النظر إلى تباينه مع عبارة الكتابات المقدسة أو الكتاب المقدس المحتوية على التراث اليهودي- المسيحي، والمشيرة إلى فكرة المكتوب من الصحف، بينما القرآن يشير إلى ما هو شفوي".


والقرآن لديه كتاب مقدس ويعني بمقدس الشعور أنه مجلب لشعور الخوف من حضور الجلالة الإلهية من خلاله، ويشير أنه ليست المسألة هنا عائدة للأخلاق، فالقرآن يحدد العلاقة ما بين الإنسان والخالق من خلال الحضرة، وهو لجعيط الوسيلة التي يتخذها للمحاجة والإقناع، لأنه يمثل المصدر الأول للعقيدة والأخير.


يُعطي جعيط العلمانية الأولوية في الوجود الحضاري مقابل الفكر الديني التقليدي وحركات الإصلاح الديني ويقول في هذا الصدد: "هل العالم العربي مخير في اللجوء إلى الروحانية الدينية في قرن المادية، هذا اتجاه عالم شيوعي ملحد ابتعد عنه الغرب والمسيحية ابتعادًا عميقًا"، فلا وجود للروحانيات في عصر المادة، لكنه اتجه للعلمانية بشكل غير تقليدي فقترح علمانية تجمع بين الدين والمادة.


يُشير إلى أهمية العلمانية بدلًا من الإصلاح الديني باعتبار تيارات الإصلاح وسيلة يتم التلاعب من خلالها بالإسلام ويقول في هذا الصدد: "لا يجب أن يتم الإصلاح على حساب الدين بل يقع في نفس الوقت بواسطة الدين وفي الدين مستقبلًا عنه"، ومنه انتقد الفكر الإصلاحي لشيخ الإصلاح محمد عبده، فهو مفيد لعصره فقط ولا يمكن نقله للعصر الحالي.


يشير جعيط من منطلق علماني إلى أن الإصلاح لن يتم إلا بمراجعة ثلاثة من العناصر وهي:

  • الدين وموقعه في المجتمع.
  • الإنسان ذاته وشخصيته.
  • العلائق بين الدولة والمجتمع.


والتي لا يمكن دراستها ومراجعتها إلا بالاعتماد على تقديم رؤية متجددة للإسلام، والدعوة إلى ظهور إنسان عربي جديد من خلال إعادة هيلكة الأسس التي يقوم عليها تفكيره ووجوده وكيانه، وتحديد مصير المجتمع بالتخلص من الروحانيات والاعتماد على المادة.


الأخلاق لدى جعيط يجب أن تتجاوز الأخلاق الدينية فهو ينكر المبادئ الدينية، فالإنسان يمكن له أن يخالف الدين بشكل مستمر حيث يقول: "من حسن الحظ أن الإنسان خالف باستمرار الدين وأن الدين يبقى مثلُا لم يطبق كله أبدًا وإلا سحقت الحياة لكن الدين هو الذي ربى الغرائز أيضًا وأنسن الإنسان".


نظر نظرة نقدية للأخلاق الدينية؛ إذ إنه يراها ذات طابع متعالٍ له أثر سلبي لأنها محصورة بين قطبين (الخير والشر) (أو الثواب والعقاب)، وأنها تقوم على أساس التجسيد لفكرة الذنب والشر، والتعاليم الإسلامية خارجة عن نطاق الذات والأنا والهوية، فمصدرها خارجي تهدف لترسيخ التسيير والطاعة، ومن هنا يصل لنتاج فكري أساسه علمنة الأخلاق من خلال تحرير الأخلاق من الحيز الديني.


أولى جعيط العقل في إنتاج الأخلاق على المنظومة الدينية، فالإنسان مصدر للأخلاق، وبالتالي لا بد من البحث عن أخلاق جديدة، من خلال التشكيك في المنظومة التقليدية، وإعادة دراستها بهدف إثراء العالم البشري وخلق رؤية جديدة تتجاوز الشمولية التقلدية وخاصة الدينية، لتكون الحرية للأنا في إنتاج منظومة أخلاقية جديدة.


صادقَ جعيط على مبدأ التخلي عن الأخلاق وعلمنتها منذ القرن الأول الهجري وخاصة في فترة الخالفة الأموية والعباسية؛ إذ إنّه يرى أن تلك الفترة الزمنية برزت فيها مظاهر متعة الحياة والشعور باللذة من خلال تطبيق مبدأ "الفصل بين القيام بما يفرضه الله وما تفرضه متطلبات الحياة".


اصطدم جعيط بالاستشراق والمستشرقين، لأنه كان يرى فيهم احتكارهم للإرث والتاريخ الإسلامي؛ إذ ينهلون منه العلم وكأنه ملكهم الموروث، وعليه اختص جعيط في مجال الدراسات التاريخية ليتجاوز الطرح الاستشراقي، ويرى أنّ الاستشراق قائم على أساسين هما: الخلفية المسيحية، والنزعة الأوروبية، بما يخدم توجيه العداء للإسلام والمسلمين، وأكّد على التوجه لديه بقوله: "إنّ أوروبا التي يرجع إليها الاستشراق هي أوروبا المسيحية القروسطية"، فهو يرى أن المسيحية تمثل الغرب بأكمله.


لم يتقبل جعيط استقصاء الدين الإسلامي من قبل المستشرقين، ولم يسمح بانهيار صورة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا صورة القرآن ولا الوحي، واستقبل الاستشراق بحرب ثقافية من خلال إنتاج الكتب، فهو منتقد للاستشراق غير قابل بأسسه، على الرغم من أسلوبه الحيادي أو الذي فيه بعض الثناء.


يُوضّح جعيط أن الاستشراق تعامل مع الشرق الإسلامي وفق نزعة أوروبية؛ إذ برزت النرجسية الأوروبية من خلال ما قدمته الدراسات الاستشراقية من مقارنات غير عادلة بما يخص الشرق وخاصة الشرق الإسلامي، وأنه كمنهج قام من أجل المناصب العليا وليس من أجل العلم.


يقدم كتاب الفتنة دراسة تأملية لمرحلة تأسيس الهوية الإسلامية (مرحلة الخلافة وما بعدها)، إذ تناول الفتنة التي أنتجت الصراعات والانقسامات السياسية والتي امتدت آثارها إلى يومنا الحالي، درس جعيط الحقائق التاريخية والتغيرات الاجتماعية وتصورات القوى السياسية والدينية لتقديم الفهم الكامل والمنطقي للتاريخ الإسلامي.


تناول جعيط الفترة التأسيسة (دين الوحدة) وتطرق للجاهلية من ثم بناء الدولة النبوية والانتصارات على الردة والجهاد والفتح الإسلامي، من ثم قدم التحولات التي حصلت من خلال تكديس الثروات وقوة الشعور الإسلامي، وظهور المطاعن في عهد عثمان بن عفان، واستخدام الظاهرة القرآنية كوسيلة للفتنة وتحقيق المكاسب الدينية وفرض السلطة.


ثم يتحدث عن زمن الحروب ويتناول قضية "علي والثالوث والجمل"، ويتحدث عن تولد الصراعات بين علي ومعاوية وما كان مضمون الصراع ومن قام ببناء الصراع، ينتقل بعدها إلى ذكر الأحداث التاريخية في زمن معاوية كوجه جديد للفتنة، ودور العالم الإيراني في استراتيجية الفتنة، لينتهي باغتيال علي وإعادة توحيد الأمة.


طال جعيط العديد من الانتقادات ومنها:

  • الكاتب محمد أبو ليلة

اعتبر أبو ليلة جعيط مستشرق صاحب عقلية مغرورة، حيث يقول: "اصطبغ عقل جعيط بالاعتقاد بتفوقه العقلي والروحي على غيره، ولكنه في الوقت نفسه كانت تعوزه وسائل التعمق والفكري الذي تميزت به العقلية الألمانية" حيث تواضع الفكر الألماني مقابل فكر الجعيط باعتباره مفكرًا فرنسيًّا كان ظاهرًا.

  • الكاتب هشام ميلاني

يرى ميلاني أنّ جعيط على الرغم من كل محاولاته ضد الاستشراق ونقده لهم إلا أن نقده لم يكن جذريًا؛ إذ هو تحليل وسطحي واستنتاجي، وبالتالي فهو خاضع للجذور الاستشراقية، والاستشراق حاضنة له (العالم الغربي).


لجعيد العديد من الكتب في مجال التاريخ الإسلامي والعربي ومن أبرزها ما يأتي:

  • في السيرة النبوية (1) الوحي والقرآن والنبوة

في هذا الكتاب عرض آراءه حول القرآن بأنه مصدر واحد لا يستند لمصادر أخرى في الفهم والتفسير؛ حيث يمكن فهمه من خلال الاستباط والاستناج، فالطرح فيه علمي، ويقدم عبره فكرة أنّ القرآن والنبوة والوحي أساس الدين الإسلامي، وحتى يكون الفهم صحيحًا للإسلام لا بد أن يكون الفهم حقيقيًّا للقرآن والنبوة والوحي بعيدًا عن الإرث التاريخي.

  • في السيرة النبوية (2) تاريخية الدعوة المحمدية في مكة

يطرح في هذا الكتاب المقارنات والمشكلات والأنثربولوجيا التاريخية والاجتماعية للفترة المكية، فيتناول وهو يستقرئ مسار النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- في مكة منذ ولادته إلى الهجرة، فهو يدرج المناخ المحلي الذي ظهر فيه الرسول، وأهم ما قدمه في هذا الكتاب كسر الصورة التقليدية عن النبي بعيدًا عن الأسطورة والخرافة.

  • تأسيس الغرب الإسلامي

يتناول الفترة الممتدة من عام 86هـ إلى 184هـ إذ تمت أسلمة الرقعة المغربية، فتناول الفترة التنظيمية من قبل الفاتحين في المغرب والأندلس، ويقدم بهذا الكتاب دليلًا تاريخيًّا لكلّ من هو مهتم بالتاريخ، ودليلًا للمهتم بالدراسات الإسلامية، وبشكل خاص "المؤسسة الإسلامية في بلاد المغرب والأندلس".

  • الكوفة نشأة المدينة العربية الإسلامية

يُقدّم في هذا الكتاب التراث والتاريخ لأوّل حضارة عربية من خلال الفتح العربي في العراق، فيتحدث عن المخطوطات العربية ويُبيّن المجهود العمراني في الكوفة وما كان للكوفة من دور في الفتوحات الإسلامية، ويوضّح أنها كانت مستقرًا للفاتحين وليست معسكرًا للجيش بعد إمبراطورية فارس، وتحدّث عن الإرث العربي القديم في بلاد الرافدين.