من هو الخليفة المستعصم بالله؟

من هو الخليفة المستعصم بالله؟
(اخر تعديل 2023-07-01 07:30:40 )

هو أبو أحمد بن عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر بن الظاهر بن الناصر بن المنصور، ولد سنة 609 هجرية، والدته اسمها هاجر، وهو آخر خلفاء بني العباس في العاصمة بغداد، كانت ولاية الخليفة المستعصم بالله في أثناء حكم جده الناصر لدين الله أبي العباس.


كان حسن الخليقة، سار على نهج جده وأبيه في اتباع مذهب أهل السنة والجماعة، بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه المستنصر بالله في 10 من جمادى الآخر عام 640 هجرية الموافق 6 من ديسمبر عام 1242م، وكان يبلغ من العمر حينها ثلاثون سنة وعدة شهور.


تمت البيعة وكان القائم عليها شرف الدين إقبال المستنصري؛ حيث تمت المبايعة أول الأمر للمستعصم بالله من قبل أبناء عمومته وأهله من بني العباس، ومن ثم بايعه أعيان الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة وكبار الفقهاء في الدولة، بعد ذلك عقد البيعة أولي الحل والأمر وعامة الناس، كما بايعته مختلف المدن والأمصار.


مبايعة الخليفة المستعصم بالله

يبدو أن اختيار الخليفة المستعصم لكي يكون خليفة لوالده على الرغم من علم الجميع بضعف شخصيته كان أمرًا مقصودًا من قبل رجال البلاط والحاشية، لكي يحكموا سيطرتهم على البلاد، ولعل خير دليل على ذلك هو طريقة اختيار المستعصم بالله بعد موت أبيه الذي لم تعرف الأسرة عنه إلا بعد مرور أكثر من 48 ساعة.


تولى شرف الدين إقبال -وهو من كبار رجال القصر العباسي- هذا الأمر بأكمله، حين قام بالطلب من المستعصم في أن يتولى الخلافة، وبصورة سرية دون أن يعلم أحد بهذا الأمر، وقد قبل المستعصم بالله ذلك العرض على الرغم من أن الكثيرين من أقربائه رفضوا ذلك الأمر لعلمهم بمدى ضعف شخصيته.


كانوا يرون أنه غير مؤهل لتولي زمام الأمور في الدولة، وما كان منهم إلا رفض البيعة له، الأمر الذي اضطر معه رجال البلاط إلى أخذهم واحدًا واحدًا ليبايعونه، أما من رفض البيعة فقد كان مصيره السجن والتنكيل، فمنع عنهم الطعام والشراب، وفي الأخير اضطروا مرغمين على تقديم البيعة وخضعوا لإدارة رجال البلاط ووافقوا على البيعة.


استمر الخليفة المستعصم بالله في إدارة شؤون الدولة وأمور المسلمين حتى سقوط بغداد وقتله على يد المغول بقيادة القائد هولاكو خان، وكان ذلك في 20 من محرم عام 656 هجرية، وبوفاته انتهى عصر الخلافة العباسية في العاصمة بغداد، بعد أن استمر 16 عامًا يحكم البلاد.


لعل من أهم صفات الخليفة المستعصم بالله أنه كان رجلًا متديّنًا تاليًا لكتاب الله عز وجل، عفيف اللسان، حسن المعشر، كريم اليد، كان يتقن تلاوة القرآن الكريم وحفظه كاملًا، وكان كثير التلاوة وله صوت حسن، ألمّ كثيرًا بعلوم التفسير وأتقن اللغة العربية واستخداماتها.


كان يتعلم على يد الشيخ الجليل شمس الدين أبي المظفر النيار أحد أئمة المذهب الشافعي العظام، كان الخليفة المستعصم بالله يواظب على الصلاة في أوقاتها ويصوم أيام الاثنين والخميس من كل شهر، كما يصوم شهر رجب بأكمله بشكل دائم سواء قبل توليه الخلافة أم بعدها.


يؤخذ عليه أنه كان ضعيف الرأي، قليل الخبرة بأمور حكم العباد، ولم يتوانَ عن ترك إدارة شؤون الدولة لولاته وأعوانه، الأمر الذي أدى إلى أن يدب الضعف في أوصال الدولة العباسية بالكامل، كان دائم الانشغال بسماع الموسيقى والأغاني، ويطيل الجلوس في بيت الكتب للقراءة، ولكن دون فائدة تذكر.


كان لديه وزير حكيم يدعى مؤيد الدين العلقمي، امتاز برجاحة العقل والرأي السديد، كان هذا الوزير سيئ النية، عاث في الأرض الكثير من الفساد، فأهلك الحرث والنسل ولعب دورًا سيئًا خلال تعرض بغداد للغزو على يد المغول.


كان للخليفة المستعصم بالله جاريتان قبل أن يتولى الخلافة، وبعد أن أصبح خليفة أحسن إليهما، وقدّم لهما أحسن رعاية، له من أحداهما ثلاثة أولاد ذكور وبنت واحدة، ومن الثانية أربعة بنات، ثم طلبت منه أم البنين أن يعتقها ويتزوجها، وبالفعل لبى طلبها، وبعد موتها حظي بجارية أخرى فرزق منها بولد، وطلبت هي الأخرى منه أن يعتقها ويتزوجها.


بالفعل حصل ذلك، وهذا الأمر إن دل على شيء فيدل على أن المستعصم بالله كان حسن العشرة، يحفظ العهد ويراعي من يعاشره، على هذا الأساس إن الخليفة المستعصم بالله رزق بأربعة أولاد لا تذكر كتب التاريخ سنة ولادتهم.


لكن ما هو ثابت أنّ الثلاثة الكبار لقوا مصرعهم مع أبيهم في اليوم ذاته، أمّا الصغير ويدعى مبارك فقد عاش وهؤلاء هم:

  • أبي بكر بن المستعصم بالله

وهو الابن الأكبر للخليفة المستعصم بالله من الجارية الأولى التي أعتقها المستعصم بعد أن تولى الخلافة وأقدم على الزواج بها، وأبو بكر بن المستعصم بالله كان قد توفي مع والده في أثناء غزو المغول البلاد، وكان ذلك عام 656 هجرية.

  • أحمد بن المستعصم بالله

وهو الابن الثاني للخليفة المستعصم بالله من الجارية الأولى التي أعتقها المستعصم بعد أن تولى الخلافة وأقدم على الزواج بها، وأحمد بن المستعصم بالله كان قد توفي مع والده في أثناء غزو المغول البلاد، وكان ذلك عام 656 هجرية.

  • عبد الرحمن بن المستعصم بالله

وهو الابن الثالث للخليفة المستعصم بالله من الجارية الأولى التي أعتقها المستعصم بعد أن تولى الخلافة وأقدم على الزواج بها، وعبد الرحمن بن المستعصم بالله كان قد توفي مع والده في أثناء غزو المغول البلاد وكان ذلك عام 656 هجرية.

  • مبارك بن المستعصم بالله

وهو الابن الرابع للخليفة المستعصم بالله من الجارية الثالثة التي اتخذها لنفسه بعد موت زوجته، وهي كانت جارية وقد أعتقها المستعصم وأقدم على الزواج بها، ومبارك بن المستعصم بالله تم أسره مع أخواته الإناث في أثناء غزو المغول البلاد، وكان ذلك عام 656 هجرية.


إنّ إنجازات الخليفة المستعصم كانت واضحة بالنسبة لمدينة بغداد؛ إذ كانت تعد من أكثر المدن المحصنة؛ حيث بنيت لها أسوار كبيرة ومنيعة، وتم إنفاق الكثير من الأموال والجهود على بناء تلك الأسوار، وحقيقة كانت هذه الجهود قد بذلت عبر سنين طويلة.


أما أهم أعماله فقد كان الخليفة المستعصم اقتداءً بأبيه كثير الصدقات، يكرم العلماء ويجزل لهم العطاء، وكذلك مع بقية الناس من العامة، ولم تكن إنجازات المستعصم كثيرة؛ ففترة حكمة كانت قصيرة؛ لذلك فهي لم تمهله للقيام بأعمال مميزة وكبيرة في البلاد.


قرّر هولاكو غزو واحتلال بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وبالفعل وصل إلى مدينة دينور وكان يقصد بغداد بتاريخ 9 من ربيع الآخر عام 655 هجرية، ومنها رجع إلى مدينة همذان في 12 من رجب من العام ذاته.


في 10 رمضان أرسل هولاكو إلى الخليفة المستعصم بالله خطابًا يتوعده ويهدده، بسبب عدم تقديمه العون الذي طلبه منه في حربه على الإسماعليين، وحدث أن شاور الخليفة أمراءه في أمر مساعدة هولاكو، ولكنهم نصحوه بعدم تقديم المساعدة، فما كان من الأخير إلى أن يضمر الشر للخليفة بسبب ذلك الأمر.


استعد هولاكو للزحف نحو بغداد من خلال تجميع جيوشه المنتشرة في أكثر من مكان، وأمرهم بالسير باتجاه أربيل وثم الموصل، وأمرهم بالحضور في الجانب الغربي من بغداد، وفي نهاية محرم لعام 655 هجرية سار بجيش جرار عبر طريق كرمنشاه ومعه أعظم قواد الجيش والأمراء.


عند وصولهم أسد آباد أرسل لهم الخليفة المستعصم يطلب منهم التوقف عن الزحف نحو بغداد كما ويبلغهم بموافقته على دفع جميع الأموال المطلوب منه، ولكن هولاكو رفض طلب الخليفة واستمر بالسير باتجاه جبال كردستان.


وصلت جيوش المغول تخوم بغداد وطلب هولاكو من قائد جيش الخليفة المستعصم بالله الاستسلام وعدم القتال، إلا أنه رفض ذلك معللًا بعجز المغول عن قهر بني العباس الذين دام حكمهم 500 سنة، وأنكر عليه طلبه هذا، وفي منتصف شهر محرم استطاع المغول دخول الجانب الغربي من بغداد.


في يوم 5 من صفرعام 656 هجرية، تمكّن المغول من احتلال بغداد والسيطرة عليها بالكامل، وبعد يومين بدؤوا بالتنكيل والقتل وسرقة الأموال، فعاثوا في الأرض الفساد لم يسبق أن رأت مثله مدينة بغداد وأهلها؛ حيث لم يسلم منهم أحد، وفي يوم 9 من صفر دخل هولاكو المدينة واستقر في مركز الخلافة وأمر بإحضار المستعصم بالله.

تجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى سقوط الخلافة العباسية، وانتهى حكمها ولعل من أهم هذه الأسباب ما يأتي:

  • المشاكل والصراعات الطائفية والمذهبية بين مكونات الدولة العباسية.
  • المشاكل والمصاعب الاقتصادية الكبيرة التي كانت تعاني منها الدولة.
  • المشاكل والمصاعب الإدارية التي كانت قائمة بين كبار الموظفين في الدولة.
  • المشاكل والمصاعب العسكرية التي يعاني منها جيش الدولة العباسية.


بعد أن وصل جيش هولاكو أسوار مدينة بغداد بدأ القتال بين الطرفين على الرغم من عدم تكافؤهما وكان في يوم 12 من محرم عام 656 هجرية، إذ بدأت المعركة بعد أن أصيبت جارية من جواري القصر بسهم وهي داخل قصر الخليفة المستعصم بالله فقرر القتال.


بدأت الحرب بين الطرفين، ولكن حقيقة لم يكن جيش المسلمين بالعدد والعدة ذاتها التي كان عليها جيش المغول، وبسرعة فقد حسمت الحرب لصالح المغول وانتهت باستسلام الخليفة المستعصم بالله هو وأولاده وجمع غفير من حاشيته ورجال القصر.


قام الخليفة بتسليم كل ما يملك من أموال لهولاكو وجيشه الجرار، ومع ذلك قرر الأخير قتل الخليفة، وقيل إنه قتل رفسًا بالأقدام حتى لا يراق دمه على الأرض، وقيل خنقًا وغرقًا، وبموته انتهى عصر الخلافة العباسية ولم تعد تلك الخلافة قائمة.


توفي الخليفة المستعصم بالله في أواخر شهر محرم عام 656 هجرية، وكان يبلغ من العمر حينها ستة وأربعين عامًا، لم يتم دفنه على الأرجح، فلم يقدم أحد من المؤرخين على التصريح عن المكان الذي تم دفن جثمانه فيه.


قُتِل معه في تلك السنة أعداد كبيرة من المسلمين، سواء من عامة الشعب أم من الأسرة العباسية، وسُبيت النساء وقتل مع الخليفة أولاده أبو بكر وأحمد وعبد الرحمن، أما ابنه مبارك وأخواته فاطمة وخديجة ومريم فظلوا أسرى عند المغول.